مفاوضات حماس-أمريكا- تهميش إسرائيل وتصدع السياسات في غزة

المؤلف: د. مهند مصطفى09.03.2025
مفاوضات حماس-أمريكا- تهميش إسرائيل وتصدع السياسات في غزة

أثارت المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وحركة حماس، والتي أسفرت عن اتفاق لإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي-الأميركي عيدان ألكسندر، دهشة واستياء الدوائر الإسرائيلية.

لقد شكل هذا الاتفاق مفاجأة مدوية لإسرائيل، مُعيدًا إلى الأذهان سيناريو مماثل جرى بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله الحوثي في اليمن. في كلا الحالتين، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقًا مع كيانات سياسية من غير الدول، وتضمن تحقيق مصالح أميركية بحتة. فمع الحوثيين، كان الهدف تأمين الملاحة البحرية الأميركية، بينما مع حركة حماس، تمثل الهدف في إطلاق سراح مواطن أميركي يحمل أيضًا الجنسية الإسرائيلية.

وفي كلا السيناريوهين، تم تجاهل المصالح الإسرائيلية بشكل ملحوظ. ففي حالة الحوثيين، لم يتضمن الاتفاق وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل أو ضمان حرية مرور السفن الإسرائيلية. أما في حالة حماس، فلم يشمل الاتفاق إطلاق سراح المزيد من الأسرى الإسرائيليين، واقتصر على إدخال بعض المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

لم يكن الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة وحماس هو الدليل الوحيد على تغليب المصالح الأميركية على نظيرتها الإسرائيلية. فقد سبقته خطوات أخرى، مثل بدء المباحثات الأميركية الإيرانية، والموقف الأميركي من الملف السوري، وتفضيل إدارة دونالد ترامب للدور التركي في سوريا على الدور الإسرائيلي.

لقد تصورت إسرائيل أن المصالح الأميركية في المنطقة ستكون متوازية ومتساوية مع المصالح الإسرائيلية في مختلف الملفات، لكنها صُدمت عندما رأت أن المصالح الأميركية تأتي في المقام الأول، حتى لو تعارضت مع المصالح الإسرائيلية.

يتضاعف الإخفاق في هذه الحالة لسببين رئيسيين. أولًا، هذه هي المرة الثانية التي تجري فيها الإدارة الأميركية مفاوضات مع حركة حماس، بعد المرة الأولى التي تمت بوساطة المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بولر، والتي أبدت إسرائيل انزعاجها الشديد منها وعملت على إفشالها، معتقدة أنها لن تتكرر، خاصة بعد إنهاء بولر لمهام منصبه في أعقاب تلك المباحثات. ثانيًا، أسفرت هذه المباحثات عن اتفاق مع حماس تم وراء ظهر إسرائيل، ودون علمها أو تنسيق معها.

تتجلى أهمية هذا الاتفاق في عدة جوانب، أبرزها كسر الجمود السياسي والعسكري الذي يشهده قطاع غزة، في ظل التعنت الإسرائيلي ورفضها إجراء مباحثات حول وقف الحرب أو التوصل إلى هدنة إلا وفقًا للشروط الإسرائيلية. ومن شأن هذا الاتفاق أن يضعف العملية العسكرية الإسرائيلية وربما يوقف توسيعها، إذا أدى إلى فرض بدء مباحثات حول التوصل إلى اتفاق أو هدنة بشروط جديدة.

يمثل هذا الاتفاق مع حماس فشلًا سياسيًا ذريعًا لإسرائيل، وهو الوصف الدقيق الذي أطلقه رئيس المعارضة يائير لبيد على الاتفاق بين حماس والولايات المتحدة.

كما أنه أفشل سلاح التجويع الذي استخدمته إسرائيل للضغط على حركة حماس للتنازل والقبول بهدنة أو صفقة جزئية وفقًا للشروط الإسرائيلية، والتي تتمحور حول إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية، وهدنة لمدة 40 يومًا، دون التعهد بوقف الحرب أو انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها في قطاع غزة.

يحمل هذا الاتفاق في طياته تصدعًا في التصور الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية المتبعة في قطاع غزة، والتي رسمت الحكومة معالمها من خلال المصادقة على توسيع العملية العسكرية واستخدام سلاح التجويع. علاوة على ذلك، فإنه يشكل شرخًا في الاعتقاد السائد بأن الضغط على حركة حماس سيؤدي إلى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وهو ما لم تنجح الحكومة في تحقيقه منذ بداية سياسة التجويع في أول مارس/آذار، وما تبعها من إطلاق عملية "شجاعة وسيف" العسكرية في منتصف مارس/آذار، في حين أن المباحثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس أثمرت عن إطلاق سراح الأسير الأميركي.

إن سقوط هذه اللبنات من جدار المنظومة الإسرائيلية سيحدث تصدعًا كبيرًا في الحكومة الإسرائيلية، التي ستجد نفسها في مأزق سياسي واجتماعي داخلي كبير، بالإضافة إلى الضغط الأميركي المتوقع لبدء مباحثات حول هدنة تكسر عمليًا الجدول الزمني للعملية العسكرية الإسرائيلية التي أطلق عليها اسم "عربات جدعون".

صحيح أن القرار الأميركي ببدء مباحثات مع حماس جاء عشية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة، ورغبته في إطلاق سراح الأسير الأميركي الحي الوحيد لدى حماس وتسجيله كإنجاز جديد له، إلا أنه جاء أيضًا في ظل وصول السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة إلى طريق مسدود، حيث استنفدت إسرائيل كل وسائل الضغط على حركة حماس، وعلى رأسها سلاح التجويع الذي تم استخدامه بصورة منهجية ومثابرة بشكل غير مسبوق في كل الصراعات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية.

لقد منحت الولايات المتحدة إسرائيل الفرصة لتأكيد مقولتها بأن المزيد من الضغط على حركة حماس سيؤدي إلى اتفاق يستجيب لأهداف الحرب الإسرائيلية، وعلى هذا الأساس تم التغاضي عن انتهاك إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار بعد انتهاء المرحلة الأولى منه.

أشارت التقديرات الإسرائيلية والأمنية إلى أن تحقيق أهداف الحرب بالقضاء على حركة حماس يحتاج إلى سنوات طويلة، كما أن سلاح التجويع استنفد تأثيره، وأصبحت الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة تضغط على المجتمع الدولي وتحرج الولايات المتحدة. وزاد الأمر سوءًا التصريحات الإسرائيلية التي تتحدث عن "أخلاقية التجويع" و"قتل الغزيين من الطفل إلى الشيخ العجوز"، مما أظهر إسرائيل كآلة تدمير عمياء لا تبالي بالقوانين الدولية والإنسانية، وتتباهى بذلك، وهو خطاب تصاحبه سياسات تهدد الاستقرار في المنطقة وتقوض الرؤية الأميركية حول خلق بيئة استقرار وأرضية للسلام والاستثمار، وتصفير الصراعات وخفض التوتر.

يكمن جوهر المشكلة لدى نتنياهو في أنه لا يمتلك أدوات ضغط على الرئيس ترامب. فقد عايش نتنياهو في ولاياته الحكومية المختلفة ثلاثة رؤساء ديمقراطيين (بيل كلينتون، باراك أوباما، وجو بايدن) ورئيسًا جمهوريًا واحدًا هو ترامب.

وعندما كان يصطدم مع رئيس ديمقراطي، كان يعول على الحزب الجمهوري في الكونغرس للضغط على الرئيس الديمقراطي أو التملص من التزاماته أمامه، وهو ما حدث مع كلينتون في اتفاق أوسلو، ومع أوباما في الاتفاق النووي عام 2015، ومع بايدن في عدم الاستجابة لمقترح بايدن بوقف الحرب في غزة، والذي تغير مع مجيء ترامب.

سيسعى نتنياهو جاهدًا لتجاوز هذه الأزمة من خلال إقناع الإدارة الأميركية بالتباحث حول مقترح ويتكوف الأصلي، الذي نص على إطلاق سراح خمسة أسرى إسرائيليين أحياء مقابل هدنة، وبدء المباحثات حول مستقبل غزة السياسي لكسب الوقت. بهذه الطريقة فقط – إن نجح بها – سيتمكن من الحفاظ على استقرار حكومته وتجنب توسيع العملية العسكرية، وهو الأمر الذي يتحمس له اليمين عمومًا واليمين الديني المتطرف خصوصًا.

وخلافًا لهذا المسار، يواجه نتنياهو خيارين لا ثالث لهما: إما الموافقة على وقف الحرب وانهيار حكومته، أو المضي قدمًا في العملية العسكرية والاصطدام المباشر مع ترامب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة